تمـهـيـد وتـقـديـم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام الأنبياء والمتقين، وقائد الغرّ الميامين، سيدنا ونبينا محمد الأمين، (ص)، الذي أرسله ربّ العالمين لهداية الثَّقَلين، وأنزل على قلبه الكتاب المبين، دستوراً للعالمين، إلى يوم الدين.
وأشهد أن لا إله إلا الله، الذي قال في محكم كتابه الكريم: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل: 73/4] ، فقد دأب المسلمون في كل العصور على الاعتناء بالقرآن الكريم تلاوةً وحفظاً، تفسيراً وفهماً، فهو الكتاب الذي وصفه ربّ العالمين بقوله: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 6/38] ، وبيَّن سبب نزوله فقال: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 16/89] . فكتاب هذا شأنه، حريٌّ بأن يحظى بكل اهتمام. وعلم "التجويد" هو واحد من أهم العلوم القرآنية التي اعتنى بـها المسلمون على مرّ الزمان، لتساعد على تلاوة القرآن الكريم تلاوة صحيحة، كما وصلت إلينا بالأسانيد المتصلة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن جبريل عليه السلام، عن رب العزة سبحانه وتعالى.
وقد زخرت المكتبات بكتب التجويد، وبعضها اشتمل على شرح المنظومة المشهورة باسم "المقدمة" للإمام ابن الجزري، رحمه الله تعالى، ولكن أحداً ممن طبع هذه الكتب، لم يقم بتحقيق النسخ المطبوعة، على ما علمت، فأردت أن أبذل في ذلك جهداً، رغبةً في خدمة القرآن الكريم، وطمعاً في الأجر والثواب من رب العالمين.
وقد أكد هذه الرغبة لديّ أني أمتلك نسخة خطية للشرح المذكور، هي من بقايا مخطوطات مكتبة آل الشطي التراثية، فعزمت على تحقيقها متوكلاً على الله تعالى، راجياً منه التوفيق والسداد، مع شعوري بالقصور، وقصر الباع في هذه الأمور.
وقد توفر لدي - إلى جانب المخطوطة المذكورة - عدة مخطوطات أخرى، تصلح للمقابلة بعضها مع بعض، واستخراج النص الأقرب للحقيقة.
وصف مقتضب للمخطوطات:
المخطوطة الأولى:
هي التي أمتلكها من تراث آل الشطي، وهي مخطوطة من 23 ورقة من الورق الأصفر القديم، بقياس: 20×13 سم، و15 سطراً في الصفحة الواحدة، مكتوبة بخط نسخي واضح مقروء. المتن فيها (أي المنظومة الجزرية) بالحبر الأحمر، والشرح أي (الدقائق المحكمة في شرح المقدمة) لشيخ الإسلام القاضي أبي يحيى زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى، بالحبر الأسود.
وحالة المخطوطة جيدة جداً، فليس فيها نقص أو خرم أو رطوبة، ولكنها لا تخلو من بعض الأخطاء والعبارات المنقوصة، كما سيتضح ذلك من خلال مقارنتها بالنسخ الأخرى.
ويعود تاريخ هذه النسخة إلى مستهل ربيع الأول لعام 1088 من الهجرة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام، كما هو واضح من الصفحة الأخيرة من المخطوطة. وقد رمزت لها بالحرف (ش).
المخطوطة الثانية:
وهي مصورة مخطوطة تعود للمكتبة الظاهرية بدمشق تحمل الرقم: 329/ت. وتتكون من 26 ورقة، بقياس 20×12.5سم، و15 سطراً في الصفحة. ويعود تاريخ نسخها إلى عام 988 ه. وقد كتبت عليها تملكات ووقفيات عديدة، بتواريخ متعاقبة. ورمزت لها بالحرف (ظ).
المخطوطة الثالثة:
وقد حصلت عليها من موقع مخطوطات جامعة الملك سعود بالرياض، وتحمل الرقم 5440، وتتألف من 19 ورقة بحجم 25.5×16سم، و (21) سطراً في الصفحة الواحدة. وهي بخط مقروء، وعليها تعليقات وتصويبات كثيرة في الهوامش، ومما كتبه ناسخها على صفحة العنوان أبيات شعر نسبها للشارح جاء فيها:
كفى مقلتي (قرحاً) وفي القلب قلبها
عسى يا إلهي تنقـط القاف واحدة
وأن تنقل الأخرى إلى الحاء تحتـها
بحقـك يا من لا يخيـب قاصـده
ويعود تاريخ نسخها إلى عام 1110 ه. وقد رمزت لها بحرف (ج).
أما المخطوطات الأخرى التي توافرت لدي فهي مخطوطات ناقصة أو مشوهة، ولا يمكن الاعتماد عليها، فلا حاجة لذكر أوصافها.
أما المنظومة الجزرية فقد صدّرت بها الكتاب، مكتوبةً بالشكل التام، تسهيلاً لحفظها بالشكل الصحيح، معتمداً على ما ترجح عندي بأنه الأصح والأغلب، مما توافر لي من المخطوطات المذكورة آنفاً، والمطبوعات التي تزخر بها المكتبات، ومنها نسخة متقنة للشيخ أيمن رشدي سويد حفظه الله تعالى.
أما النهج الذي اتبعته في التحقيق ، فقد اعتبرت النسخة (ش) أصلاً، وبينت في الحاشية أهم ما فيها من خلل أو نقص أو فروق، مقارنة بالنسخ الأخرى، ولم ألتفت إلى الأخطاء البينة، والنواقص الطفيفة، التي نجمت عن سهوٍ أو خطأٍ إملائيٍّ، وشبه ذلك مما لا بد منه في الكتب المخطوطة.
واستكملت عملي في التحقيق، بإثبات النصوص القرآنية بخط المصحف مع بيان السورة ورقم الآية. وتحققت من الأحاديث وخرجتها، وضبطت ألفاظها من مصادرها، وبينت رأي كبار علماء الحديث في صحتها. كما شرحت أهم المفردات المبهمة معتمداً على المعاجم اللغوية المعروفة. وعلقت على بعض ما ورد من الأفكار والمعلومات بحسب الضرورة.
أما الزيادات التي رأيت إضافتها لمزيد من التسهيل، فهي خلاصات وجداول وصور لصفات الأحرف ومخارجها خاصة.
كما أضفت ملحقاً بتراجم أهم الأعلام الذين ورد ذكرهم في الكتاب، بما في ذلك ترجمة مقتضبة للقراء العشرة ورواتهم. وأتبعت ذلك بثبت شرحت فيه ما تحصل لدي من العلم الشرعي، والعلوم الكونية، كما جرت العادة على ذلك.
وفي الختام؛ أسأل الله تعالى أن ينتفع المسلمون، المحبون لقرآنهم وكتاب ربهم، بهذا العمل المتواضع والجهد القليل، راجياً من كل من يطلع على هذا العمل أن يعذرني على ما فيه من نواقص وعيوب، فلا معصوم من البشر إلا نبينا عليه الصلاة والسلام، وأن يدعوَ لي ولوالديّ وللمسلمين أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
*** خادم كتاب رب العالمين ***
محمد عصام الدين حسن الشطي
ربيع الأنور/ 1433 هـ .
كانون الثاني/ 2012 م .