Mizanü'l-Amel/ميزان العمل
يطبع وينشر لأول مرة محققاً
لقد فطر الله الناس على طلب السعادة الحقيقية، التي تتمثل بمعرفة الحق سبحانه، وحسن التعبد والتذلل له، وأدعياء طلب السعادة كُثر، وطرقهم مختلفة، والناجون منهم قلة؛ لأن العمل على خلاف سَنن المصطفى صلى الله عليه وسلم هباء منثور، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا.. فهو رَدٌّ» أي: مردودٌ على صاحبه.
ومن أدعياء السعادة من لبَّس طريقها على الناس، فاحتاج الأمر إلى ميزان يعرف به الحق من الباطل، ولقد وفَّق الله سبحانه الإمام الغزالي في تآليفه؛ حيث وضع معالم المنهج السديد الرشيد، الموصل إلى الصراط المستقيم، فأسس علم المنطق، ووضع معياراً للعلم؛ ضبط فيه العلوم اليقينية وميَّزها عن الظنون والشكوك والأوهام، ووعد في كتابه ذلك أن يضع ميزاناً للعمل، فقال: (وإذا كانت السعادة في الدنيا والآخرة لا تنال إلا بالعلم والعمل، وكان يشتبه العلم الحقيقي بما لا حقيقة له، وافتقر بسببه إلى معيار.. فكذلك يشتبه العمل الصالح النافع في الآخرة بغيره، فيفتقر إلى ميزان تُدرك به حقيقته، فلنصنف كتاباً في ميزان العمل كما صنفنا هذا في «معيار العلم» ولنفرد ذلك الكتاب بنفسه...).
ونرى من خلال هذا الكتاب أن طلائع الروح السلوكية المتزنة تتجلى في عبارات سيالة على قلم الإمام، ومردُّ ذلكيرجع إلى قطع علائق الدنيا، ثم وضع علامتين فارقتين تميزان السالك إلى الله والباحث عن السعادة الحقيقية: الأولى: أن تكون جميع أفعاله الاختيارية موزونة بميزان الشرع، ولا يتم ذلك إلا بمتابعة القدوة والأسوة التي ارتضاها الله لعباده وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
والثانية: حضور القلب مع الله تعالى في كل حال، وبمقدار الحضور.. يكون العطاء من الكريم الغفور، فمن أراد معياراً للعمل يميِّز صحيحه من سقيمه، ومقبوله من مردوده.. فعليه بميزان العمل؛ لينال به السعادة في الدنيا والآخرة.
والحمد لله أوّلاً وآخراً