Fetava Muasıra / فتاوى معاصرة
مقدمة
ظهرت مشكلات ومسائل جديدة كثيرة تتطلب إفتاءً جديداً، وبياناً جلياً، ليعلم الناس أنهم على الحق وهداه سائرون، وفي نطاق أحكام الشريعة الإسلامية عاملون، ولقد كثرت الأسئلة والاستفتاءات من الطلاب، وأبناء المجتمع وبناته، عن مستجدات العصر، حتى أنه يمكن القول:
إن عصرنا لمـّا طَرَأ عليه الكثير من القضايا وتعقدت فيه المعاملات، واختلطت القوانين الوضعية مع الأحكام الشرعية - أطلق عليه ((عصر الفتاوى المعاصرة)).
لذا بادرت بالإجابة عن هذه القضايا والاستفتاءات الموجهة إلي من خلال عملي في الجامعة لمدة أربعين عاماً، وفي دروسي العامة في المساجد، ولقاءاتي مع الناس، إما شفاهاً، وإما كتابة، وإما من طريق الهاتف، أو على ساحات الإنترنيت العالمية؛ لأن لي موقعاً خاصاً على شبكة الإنترنيت، أتلقى فيه الأسئلة من جميع أنحاء العالم، أي من القارات الخمس على السواء، من العرب والمسلمين.
وأريد أن أبيّن منهجي في هذه الفتاوى في القواعد الآتية:
1- الالتزام أولاً بنصوص الشريعة الإسلامية في القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة الثابتة؛ لأننا، نحن المسلمين، نؤمن بوحي الله وإرشاده، ونلتزم أولاً بكل ما أنزل الله في كتابه، أو أوحى به إلى نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وذلك خلافاً لمن يزعم الغيرة على الأمة، أو يحمل لواء التجديد بالباطل، فيعصف بالنصوص أو يؤولها على وفق هواه وميوله، لذا أسأل الله الهداية لشّذاذ الفكر، أو العوام، أو المشبوهين، أو الدخلاء على خط الشريعة وهم غرباء عنها بسبب اختصاصهم في علوم لغوية أو اجتماعية أو قانونية أو اقتصادية، وكأنه لا يرضيهم: قال الله، وقال رسول الله، مما يخشى عليهم الوقوع في مستنقع الردّة، والخروج من الدين بهذه المقولة الشنيعة: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاّ كَذِباً} [الكهف: 18/5].
2- ضرورات العصر وحاجات الناس تقتضي أحياناً عدم التقيد بمذهب معين، فإذا وجدت ما يبيح العمل في مذهب فقهي معتبر، هرعت إلى الأخذ به، ولو خالف رأي جمهور الفقهاء، ولاسيما في معاملات المصارف الإسلامية التي نحرص جميعاً على إنجاح تجربتها، وتحقيق رسالتها.
3- على المفتي بموجب قاعدة العدالة ورعاية المصلحة أن يختار الحكم حيث لا ضرورة، ولا مصلحة راجحة، متبعاً المبادئ الآتية:
الأول - أن يتبع القول لدليله، فلا يختار من المذاهب أضعفها دليلاً، بل يختار أقواها.
الثاني: أن يجتهد ما أمكن الاجتهاد في ألا يترك الأمر المجمع عليه إلى المختلف فيه.
الثالث: ألا يتبع أهواء الناس، لأن علم الشريعة أمانة، بل يتبع المصلحة والدليل، والمصلحة المعتبرة فقهاً: هي مصلحة الكافة.
4- الأصل العام في الأخذ بالرأي أو الاختيار أو الترجيح إنما هو العمل برأي الجمهور أو الأكثرية، لأنه مظنة الصواب والسداد، ولا يفتي بالقول المرجوح أو المغمور إلا لمصلحة عامة أو ضرورة تقتضيه أو حاجة أو مناسبة متعينة التخفيف، أو رعاية متطلبات التطور التي تستدعيه، بدلاً من استيراد الحلول أو الآراء من المصادر القانونية الوضعية.
وقد صرح العلماء بضرورة الأخذ بالراجح أو المشهور المعمول به كما صرح الشاطبي في فتاويه، كما صرحوا بأن مراعاة الدليل، أو مراعاة الأقوال الضعيفة أو غيرها من الآراء المنقولة عن بعض العلماء شأن المجتهدين من الفقهاء، لا معشر المقلّدين، وليس ادعاء الاجتهاد من بعض أهل العصر أو غيرهم أمراً سهلاً، أو مقبولاً، أو مسلَّماً لهم به.
5- أميل غالباً، وألتزم وألزم نفسي بمبدأ أو أصل سد الذرائع إلى الحرام، لكثرة احتيال الناس على الأحكام الشرعية، وابتكار حيل كثيرة لتحقيق مصالحهم ومآربهم.
6- صحيح أن شريعتنا قامت على اليسر والسماحة والتسهيل، ولكن هذا قد فرغت منه الشريعة وقررته، وليس لنا بحجة التيسير أو التخفيف مجاراة أهواء الناس، أو الأخذ بالأقوال الشاذة أو الضعيفة، أو التي لا دليل قوياً عليها، فكل اجتهاد عارٍ عن الدليل أو قوة الاستدلال مرفوض شرعاً وعقلاً وأمانة.
وهناك فرق واضح بين العمل بالتيسير فيما يسَّرته الشريعة وقررته واستوعبته اجتهادات المجتهدين الأكفياء، وبين محاولة التفلت من هيمنة النصوص الشرعية، فالأخذ بالأيسر مقبول بضوابط وشروط، والعمل بالضعيف أو الشاذ مرفوض لخروجه عن أصول الشريعة، بل وتعطيلها وتقويض دعائمها.
إنني من دعاة التيسر لا التشدد إذا توافرت مسوغاته وظروفه وضوابطه، كالضرورة أو الحاجة، ويظل العمل بمقتضيات مقاصد الشريعة العامة وبالأعراف الصحيحة غير المصادمة لشرع الله ودينه مطلوباً، كيلا نكون منفرين، بل نكون أمناء، وبعيدي النظر للمستقبل، لأن الأخذ بالتيسير يؤدي في نهاية الأمر إلى الضياع والتفلت، ولأن احترام أدلة الشرع ومقاصده وأصوله وقواعده، والوقوف أمام كل دخيل أو غريب أو مشبوه، أو مصادم لهذه الأصول واجب شرعاً.
7- لابد أن يعلم أن التقدم في بلاد العرب والإسلام لا يتم بأسلوب بلاد الغرب بالتخلي عن الدين، لأن التخلص في ديارنا لم يأت من التزام الدين قطعاً، وإنما منشؤه مرض في الأمة، وضعف في التخطيط والقيادة، وتراخٍ في العزيمة، وعدم استعمال الطاقات والإمكانات في الطريق الصحيح، وترك الإصغاء لهمس أو تصريح دول الاستعمار والاستكبار العالمي، والخوف من الأقوياء، وافتقاد القدرة على الاستقلال بإصدار القرار، فاللهم إني أعوذ بك من استخذاء القوي وعجز الثقة كما قال عمر رضي الله عنه.
8- ليس المهم تصيد أو نبش الأقوال الشاذة أو الضعيفة، وجعلها أساساً أو مرجعاً للفتوى بحجة التيسير على الناس، فذلك أمر سهل، و((أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار)) وإنما المهم وَزْن تلك الأقوال أو الآراء بميزان الشرع، ومقاصد الشريعة، وإدراك المصلحة الحقيقية العامة، لا الوهمية أو النادرة، أو الشخصية الخاصة أو المرجوحة.
ولا يصح القياس على الحكمة التشريعية ولا الاستحسان أو الاستصلاح بمجردها، لأن الحكمة غير منضبطة، وقد تكون خفية، وإنما يكون التعليل بالعلة الظاهرة المنضبطة التي يحصل من ربط الحكم الشرعي بها إما تحقيق أو جلب مصلحة أو درء مفسدة.
ولقد كثرت كتب الفتاوى قديماً وحديثاً، وقد اطلعت على الكثير منها، فمن الكتب القديمة:
- الفتاوى الكبرى الفقهية للعلامة ابن حجر الهيتمي، وبهامشها فتاوى الرملي، المطبعة الميمنية بمصر.
- الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي، مطبعة الجمالية بمصر 1328هـ/ 1910م.
- فتاوى الإمام النووي، دار الفكر بدمشق 1419هـ/1999م.
- الفتاوى للعلامة أبي إسحاق إبراهيم الشاطبي، طبع تونس 1405/ 1984م.
- الفتاوى الموصلية لشيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام، دار الفكر بدمشق 1419هـ/ 1999م.
ومن الكتب الحديثة:
- فتاوى شرعية - جزآن للشيخ حسنين محمد مخلوف مفتي الديار المصرية سابقاً، دار الكتاب العربي بمصر.
- فتاوى الشيخ الإمام الأكبر محمود شلتوت، الطبعة الثانية، دار القلم بمصر.
- فتاوى مصطفى الزرقا، طبع دار القلم بدمشق 1420هـ/ 1999م.
- فتاوى علي الطنطاوي، ط رابعة، دار المنارة بجدة 1411هـ/ 1991م.
- بحوث في قضايا فقهية معاصرة، للقاضي الشيخ محمد تقي العثماني، مكتبة دار العلوم، كراتشي.
- فتاوى معاصرة - جزآن للأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي، دار أولي النهى - بيروت.
- مع الناس، مشورات وفتاوى للأستاذ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، ط دار الفكر بدمشق 1420هـ/ 1999م.
وقد أعارض بعض هذه الفتاوى المعاصرة لما أرى فيها من غرابة، وقد أقيد بعض الآراء فيها، من غير تصريح باسم واحد منهم، منعاً من مضايقة الحي، واحتراماً لمن سبقنا إلى رحمة الله تعالى.
وأما منهج إفتائي في البيان، فالغالب اتباع سبيل الاختصار، لرغبة الناس في تلقف الجواب مباشرة دون بطء ولا دخول في المتاهات، وقد أطيل بسبب الحاجة إلى إيراد بعض الأدلة، ومناقشة أدلة من سبقني.
ولعلي في عملي أصادف الصواب، مستلهماً من الله تعالى السداد، فإن أصبت فبفضل الله، وإن أخطأت فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريئان، لأن هدفي الإخلاص لشريعة الله، واتباع من سلف، ففيه الخير والسلامة، والله هو الموفق إلى سواء السبيل