هل للصفة حين تضاف إلى الله تعالى الدلالة نفسها حينما تضاف إلى الإنسان؟
أو: هل للفعل الدلالة نفسها عندما يسند إلى الله تعالى ويسند إلى المخلوق؟
يسأل الشيخ -هنا- عن الكلمة القرآنية، أو الكلمة في الحديث الشريف، تتناول صفة من صفات الله تعالى: أحقيقة هذه الصفة التي أتى بها النص، هي عينها حقيقة الصفة إذا ما أضيفت للمخلوق؟؟ من مثل كلمة "الغضب والحلم"، إذ لكلٍّ منهما حقيقة بالبداهة اللغوية، وحيث نقول: "غضب الله"، أو نقول: "غضب رسول الله"، هل الحقيقة واحدة في الإسنادين؟ وإن كان ثمة اختلاف، أفيقتصر الاختلاف على الكيفية في كلٍّ مع الاتفاق في الماهية؟ أم هو اختلاف في الماهية؟ حيث إن ما يسند إلى الله الذي ليس كمثله شيء، هو أيضاً ليس كمثله شيء؟ وهل يمكن أن ندرك شيئاً من صفات الله على سبيل الإحاطة؟؟
ولأوضح هذه -وهي الأخطر- حيث أضاف الله تعالى إليه "اليد" بقوله: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 48/10] ، فذكر اليد مضافة إليه سبحانه على سبيل الإفراد، وذكر أيدي الصحابة المبايعين في بيعة الرضوان مضافة إليهم جمعاً، فقال: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 48/10] ، فهل المعنى في كل من "اليد" والإضافتين واحد؟ وهل الحقيقة فيهما واحدة، ولا يعدو الاختلاف مجال الكيف فحسب، كما يشم من عبارات هؤلاء؟ ويقصد بالاختلاف أن لكلٍّ بصمة تميّزه، أو شكلُ يد تخصه؟
ثم ما قول الشيخ في مثل قوله تعالى عن القرآن، وهو كلام الله تعالى: {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ}، فهلا قرّر لنا هنا ما يدا القرآن المذكورتان في النص؟ وما خلفه؟ أو: ما الذي يقوله الشيخ في مثل قوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا}؟ والسؤال نفسه يطرح في مثل قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف: 7/57] ، حيث تسوق لنا الرياح المرسلة أمر الغيث، وهل للرحمة -هنا- يدان؟ وما معنى اليدين اللتين ذكرهما المسيح -عليه السلام- وهو يخبر بني إسرائيل الذين أرسل إليهم عن أبعاد ما أرسل به، كما في قوله تعالى عن المسيح حيث قال: {وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ} [آل عمران: 3/50] ، هل كلمة "اليد" في هذه النصوص متفقة في معنى الجارحة، ومختلفة في الكيفية، حيث تكون يد الرياح أوسع، وأرحب راحة للتمكن من سوق السحاب بها لاتساع جرمه في جوّ السماء!؟
أما وجد فرقاً بين معاني الكلمات يتحقق حيث تضاف إلى أمور مختلفة؟ أليس هذا من عطاء اللغة؟! فلم تغفل هذه الحقيقة؟ ولمَ يرمي "بالابتداع" من اعتمد هذه الحقيقة اللغوية التي جاءت الرسالة في "قالبها اللغوي"، ووظف الأداء اللغوي بحسب ما يرسمه الموضوع، ويتكون منه التركيب، أجل! لماذا يرمي بالابتداع علماً أن القرآن أنزل {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ *}؟.
وإلى معين آخر: وفيه أن الإنسان معضّى بالاتفاق، أي مكوّن من جملة أعضاء، وقد ذكر من أعضائه في آية الوضوء -وحدها- أربعة: الوجه واليد والرأس والرجل، وبالبداهة هذه الأعضاء تدخل في تركيب ذات الإنسان، مع ملاحظة صفات كل عضو من هذه الأعضاء، فحيث ذكرت "اليد" عرف السامع بالوضع اللغوي معناها، وحين يذكر "الوجه" لا يضل الفهم في معناه كذلك، ولكنا إذا قرأنا قوله تعالى: {آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ}، ما أظن أن أحداً من العرب، أو بعضهم، إلا أن يكون من الأعاجم الذين لا يدرون من العربية شيئاً، أو من أصحاب الأهواء الذين يجرون وراء نصرة هواهم، ولو على حساب أن تكون السماء -عندهم- هي الأرض! أقول: لا أحد يرى أن "الوجه" المضاف إلى النهار هو مماثل للوجه الذي أمرنا الله بغسله في الوضوء، ولا أحد يرى أن "النهار" معضّى كما الإنسان معضّى!! أي إن له وجهاً وعينين ولساناً وشفتين!! هذا قريب من خيالات الشعراء!
وهنا، أمام مثل هذا التعبير، يتلمس معنى يليق بالمضاف إليه، ويتناسب معه، ومحال أن يقول أحد إن حقيقة الوجه في الإنسان هي نفس حقيقة الوجه المضاف إلى النهار، لكن مع اختلاف الكيفية بينهما، علماً أن الإنسان والنهار من مخلوقات الله الذي ليس كمثله شيء...
ومن هذا الضرب من التعبير باللفظ الذي له مجموعة من المعاني قولنا: في المسألة وجهان... فمثنى وجه -هنا- ليس على المعنى المتبادر للوجه في الوضع اللغوي، إذ المسألة قد يكون لها أوجه، أو وجه واحد، ولكنها لها رأس واحد، أي قالب تعبيري واحد...
ضع هذا مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: «إن الرجل إذا دخل في صلاته أقبل الله عليه بوجهه، فلا ينصرف عنه حتى ينقلب، أو يحدث حدث سوء»، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: «إذا قام الرجل في صلاته أقبل الله عليه بوجهه، فإذا التفت قال: ابن آدم، إلى من تلتفت؟ إلى من هو خير لك مني؟! أقبل إليّ..»، فماذا نجد من المعاني المرادة من هذه العبارات، وهل سيقت ليتكئ عليها المجسمة أو المشبهة فيزعموا أنها تخدم نزعتهم في التجسيم، أم أنها من المتشابه الذي يصرف النص فيه عن ظاهره المتبادر، ثم يفوض لله أمر معناه الذي نقطع بوجوده؟!!
تجسيم واضح!!
وهنا أعرض موقفاً إن دلّ فإنما يدل على نزعة التجسيم الذي لا ينجي منه عبارة "يليق بالله تعالى"، وأترك الحكم لأي قارئ، وأسوق بعدها موقف العلماء، وهم "أشاعرة"، تجاه آيات الصفات، وأحاديثها.. وأقدم بين يدي ذلك ما ذكره ابن الجوزي، وهو من كبار علماء المسلمين في القرن الخامس الهجري...
وعليه، فينبغي أن يحتاط في تحديد معاني الكلمات إذا اختلف المضاف إليه فيها، وحديثه (ص): «إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه، فإن الله قبل وجهه»، فلا يقال -هنا-: "قبل وجهه" على ما يليق بالله، فهذا يحرض الخيال على تلمس الكيفيات المستحيلة أصلاً في حق الله تعالى. وعليه، فالواجب أمام كل نص متشابه أن يدخل إليه من بوابة الآية المحكمة: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، وأن يضع نصب عيني فكره عبارة العلماء الرصينة: «كل ما خطر ببالك، فالله بخلاف ذلك»، وهي كما ترى قبس من النصوص المحكمة، وعلى رأسها قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *} [الإخلاص: 112/4] .
ولاحظ التعبير -هنا- «فإن الله قبل وجهه»، وأنه أتى بالاسم الأعظم "الله" الدال على الذات المتصفة بكل صفات الكمال.