الحمد لله الذي أعزَّ الإسلام ونصره، والصلاة والسلام على القائد الأعظم محمد بن عبد الله الذي أنقذ أمته من الهزيمة الفكرية والعملية، وعلى آله وصحبه المجاهدين البررة الذين ضحوا في سبيل إعزاز الأمة، رضي الله عنهم وأرضاهم، ورضي عن جميع من اتبعهم بحق وإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
يخطئ كل من يحسن الظن بالغرب والغربيين، قادة وشعوباً وأفراداً، سياسيين ومفكرين، وكتّاباً وإعلاميين ومستشرقين، وصنّاع قرار وتابعين، فلا يتوقع منهم الخير، ولا يطمأن لمخطَّطاتهم ومكائدهم، لتأصُّل نار الحقد والتعصب في قلوبهم، وسوء الظن بالمسلمين، على مدى التاريخ القديم والحديث، فهم فضلاً عن شنّ الحروب المتوالية على ديارنا وأمتنا، يمعنون في إبقائنا متخلِّفين مضطربين قلقين ممزّقين متفرقين، دون التمكين من قرار جماعي هادف، ولا من وضع خطة إنقاذ وحصانة، وستبقى مكائدهم ومؤامراتهم قائمة على الدوام، ولا يسمحون بقيام أو نشوء قوة عسكرية دفاعية على مستوى التوقعات والأحداث المتوالية، ولا من وجود صناعات ثقيلة، حيث يحبطونها ويغلقون مصانعها بكل ما يملكون من ثقل وإملاءات علنية وسرية، ويحرصون كل الحرص على إبقاء حكومات موالية أو عميلة أو ضعيفة هزيلة أو كرتونية، كما قال الشيخ زايد رحمه الله، أو إصدار قرارات قمة عربية أو إسلامية على المستوى المطلوب.
وتراهم بمنهج صريح يعاملوننا في مواجهة غيرنا بمكيالَين أو ميزانَين، سواء بإصدار القرارات الدولية الأممية في الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن، أو بتمكين أعدائنا من توفير أعتى الآلات العسكرية وإحراز القوة النووية الجبارة، فإن دولة الصهاينة مثلاً تملك مئتي رأس نووي، وتحرمنا من كل ذلك، سواء بامتلاك السلاح النووي، أم بالتفكير في إعداد أي مصدر للقوة، ولو في مجال الطاقة السلمية، لذا أوجدوا كيان (إسرائيل) على حساب شعب فلسطين.
ومع هذا كله يتسلطون على ثرواتنا النفطية والمعدنية ويسرقونها بأساليب مختلفة، ويصادرون أموالنا باسم التجميد ولا يعطوننا دولاراً واحداً.
ولم تختلف خطط الغرب المعادية للعالم الإسلامي بين الماضي والحاضر، في جميع الحروب الدفاعية التي دُفع إليها المسلمون دفعاً، سواء في التخلص من الشرك والوثنية في شبه جزيرة العرب، أم في الحروب الصليبية، وحروب التتار والمغول واجتياح العالم الإسلامي، وإسقاط الخلافة العباسية في بغداد سنة 656هـ، ثم العثمانية سنة 1924، ثم الاستعمار الأسود والبغيض في القرنين الماضيين، أم في حال تصفية الخلافة العثمانية وتقطيع أجزائها، وإبراز بعض الأمثلة الانفصالية تحت مظلة القومية العربية، والدراسات الاستشراقية، ودعايات التمدن والتحضر.
والوضع نفسه في المعسكر الشرقي، حيث قتل زعماء الشيوعية في روسية ويوغسلافية وكذا الصين مئات الآلاف من المسلمين، وحالوا بينهم وبين دينهم وأخلاقهم وقيمهم في القرن العشرين، فمنعوا القرآن وإقامة شعائر الإسلام، وأدوا دوراً مهيناً في خداع العرب والمسلمين والتصويت على قرارات معادية في الأحداث الحاسمة.
ولقد حذّرنا القرآن الكريم من إيجاد الحد الأدنى من الثقة بالأعداء أو الاطمئنان لهم في آيات كثيرة، منها:
- {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 2/120] .
- {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ *} [آل عمران: 3/118] .
لكن لا ننسى أيضاً ما أسهم به الحداثيون والمستغربون وبعض القياديين والمثقفين في تغريب[(1)] معالم الإسلام وإهمال تحذيراته وتحريم الفواحش والمنكرات، وإبعاده أو إقصائه عن ساحة الأحداث العامة، ثم أعلنوا العلمانية (اللادينية) صراحة، كلياً أو جزئياً وفسروها بالحرص على الوحدة الوطنية، لتبقى الساحة فارغة من المواجهات والمضادات الفعالة في صد أمواج المؤامرات والمكائد الغربية والخيانات الشرقية في عام 1948، 1956، 1967، 1973م، ويظهر كل هذا ومفرزاته السامة وآثاره الوخيمة على الواقع العربي والإسلامي بصورة جلية في أحداث القرن الماضي ومطلع القرن الحادي والعشرين.
وهرول كثيرون من القياديين والمفكرين إلى مجاملة الأعداء في أشكال ومناهج مختلفة دفاعية هزيلة، مثل عقد مؤتمرات الوسطية والاعتدال، والتسامح والانفتاح، وتجديد الخطاب الديني، فقد حضرت ما يقارب عشرين مؤتمراً منها للوسطية في البلاد العربية، وبعضها ثلاث مرات فأكثر في الدولة نفسها، وأقام بعضهم مراكز للوسطية، تقرباً من رجالاته الخبثاء والأشداء والماكرين، ولإرضاء الفكر الغربي السياسي الجامح أو الماكر المخادع.
و نظل سادرين لا نعتبر ولا نتعظ بالمواقف والأحداث وألوان المكر والخداع، بمجرد إعلان مظاهر سياسية هشة، وتصريحات زائفة مخدِّرة أو مسكِّنة لتمرير عنصر الوقت والرضا بالواقع المؤلم، أو بإرسال المندوبين والوسطاء واللجان للدراسة والتحقيق بين الفينة والأخرى، ثم لا شيء في الواقع على الإطلاق، سواء في كارثة فلسطين أو أفغانستان أو العراق أو غيرها من بلدان الإسلام.
فإلى متى نبقى أغبياء أو متغابين، أو غافلين أو مغفلين عما جرى ويجري، من ابتكارات الخطط ذات المضمون الواحد ألا وهي تحجيم الإسلام ومؤسساته، وإسكات نداءات الوطنية، وإبقاء الاستغاثات والاحتجاجات الجوفاء، وتقديم الشكاوي والتنديدات، والاستنجاد بالمؤسسات الدولية الكبرى التي تسيِّرها الدول الكبرى، وتوجهها نحو غاياتها الحاقدة والعدوانية السافرة؟!
وصدق سيدنا عمر رضي الله عنه حين قال: «اللهم إني أعوذ بك من عجز الثقة، واستخذاء الضعيف».
خطة البحث
تتجلى الصورة المنهجية والفكرية والعملية السافرة أو المقنَّعة للسياسات الغربية والشرقية في ضوء بيان مضامين هذا الكتاب، ولا سيما بيان التحديات الصهيونية والغربية، وتنظيم علاقة الإنسان بأخيه الإنسان في جميع مجالات الحياة، حتى يستيقظ الوجدان العربي أو الإسلامي أو الوطني، وتظهر الحقيقة الدامغة في ضوء مقالة النبي شعيب عليه السلام: {قَال ياقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ *} [هود: 11/88] .
وكذلك في توجيهات القرن الكريم والسنة النبوية إلى إقامة حصون إيمانية وفكرية أمام التحديات الغربية القديمة والحديثة، حتى يظل الإسلام الرباني المصدر هو الحصن المنيع للإنسان وكرامته وبقائه واستقراره، وإشعاره بوجود العدالة والرحمة والحرية والمساواة في العالم.
وسيجد القارئ أن عدداً محدوداً من موضوعات هذا البحث سبق وتم نشرها سابقاً في سياق كتب أخرى، ولكني وللوصول إلى رؤية متكاملة حول العالم الإسلامي وما يواجهه من تحديات؛ رأيت إعادة وضع بعض منها هنا في سياق أبحاث هذا الكتاب.
وموضوعات البحث هي عشرون:
- استراتيجيات غربية لاحتواء الإسلام.
- الإسلام والغرب - ظاهرة كراهية الإسلام.
- الإسلام وحقوق الإنسان - الإسلام والمرأة.
- الإسلام والتفرقة العنصرية - الإسلام والاستشراق.
- الإسلام والعولمة.
- الإسلام والسلام، حقيقة الجهاد.
- الإسلام والمقاومة.
- الإسلام والتكفير.
- الإسلام والتطرف أو (الإرهاب).
- الإسلام والوسطية.
- الإسلام والحداثة وما بعد الحداثة.
- الإسلام والعلمانية.
- الإسلام والديمقراطية - الشورى والديمقراطية.
- الإسلام والحوار الحضاري - ضرورة الحوار الحضاري.
- الإسلام والرأسمالية.
- الإسلام والاشتراكية الماركسية.
- المستقبل للإسلام - ضرورة وحدة الأمة.
- تجديد الخطاب الديني - وحدة الأمة الإسلامية في القرآن والسنة.
- المسلمون والعرب و(إسرائيل) - الكيان الصهيوني العنصري البغيض.
- الإسلام والأزمة المالية الاقتصادية العالمية في عام 2008-2011م بحسب التقدير المتوقع.
وقد حرصت على تقديم زاد ثقافي مكثف وموجز لكل إنسان، علماً بأن كل موضوع قد يصنف فيه كتاب مستقل.